سورة هود - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)}
{أُحْكِمَتْ ءاياته} نظمت نظما رصينا محكماً لا يقع في نقض ولا خلل، كالبناء المحكم المرصف. ويجوز أن يكون نقلا بالهمزة، من (حكم) بضم الكاف، إذا صار حكيماً: أي جعلت حكيمة، كقوله تعالى: {آيات الكتاب الحكيم} [يونس: 1] وقيل: منعت من الفساد، من قولهم: أحكمت الدابة إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح. قال جرير:
أبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُم *** إنِّي أخَافُ عَلَيْكُمُ أنْ أغْضَبَا
وعن قتادة: أُحكمت من الباطل {ثُمّ فُصّلَتْ} كما تفصل القلائد بالفرائد، من دلائل التوحيد، والأحكام، والمواعظ، والقصص. أو جعلت فصولاً، سورة سورة، وآية آية. وفرقت في التنزيل ولم تنزل جملة واحدة. أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد: أي بين ولخص. وقرئ: {أحكمت آياته ثم فصلت} أي أحكمتها أنا ثم فصلتها.
وعن عكرمة والضحاك: ثم فصلت، أي فرّقت بين الحق والباطل.
فإن قلت: ما معنى ثم؟ قلت: ليس معناها التراخي في الوقت، ولكن في الحال، كما تقول: هي محكمة أحسن الإحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل. وفلان كريم الأصل، ثم كريم الفعل، وكتاب: خبر مبتدأ محذوف وأحكمت: صفة له. وقوله: {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} صفة ثانية. ويجوزأن يكون خبراً بعد خبر، وأن يكون صلة لأحكمت وفصلت، أي: من عنده إحكامها وتفصيلها، وفيه طباق حسن؛ لأنَّ المعنى: أحكمها حكيم وفصلها: أي بينها وشرحها خبير عالم بكيفيات الأمور.


{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)}
{أَلاَّ تَعْبُدُواْ} مفعول له على معنى: لئلا تعبدوا. أو تكون (إن) مفسرة؛ لأنّ في تفصيل الآيات معنى القول، كأنه قيل قال لا تعبدوا إلا الله، أو أمركم أن لا تعبدوا إلا الله {وَأَنِ استغفروا} أي أمركم بالتوحيد والاستغفار. ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ منقطعاً عما قبله على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، إغراء منه على اختصاص الله بالعبادة. ويدل عليه قوله: {إِنّنى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} كأنه قال: ترك عبادة غير الله، إنني لكم منه نذير، كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرقاب} [محمد: 4] والضمير في {مِّنْهُ} لله عز وجل، أي: إنني لكم نذير وبشير من جهته، كقوله: {رَسُولٌ مّنَ الله} [البينة: 2] أو هي صلة لنذير، أي: أنذركم منه ومن عذابه إن كفرتم، وأبشركم بثوابه إن آمنتم.
فإن قلت: ما معنى ثم في قوله: {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ}؟ قلت: معناه استغفروا من الشرك، ثم ارجعوا إليه بالطاعة. أو استغفروا، والاستغفار توبة، ثم أخلصوا التوبة واستقيموا عليها، كقوله: {ثُمَّ استقاموا} [الأحقاف: 13]. {يُمَتّعْكُمْ} يطوّل نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية، من عيشة واسعة، ونعمة متتابعة {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى أن يتوفاكم، كقوله: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيّبَةً} [النحل: 97] {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} ويعط في الآخرة كل من كان له فضل في العمل وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه. أو فضله في الثواب، والدرجات تتفاضل في الجنة على قدر تفاضل الطاعات {وَإِن تَوَلَّوْاْ} وإن تتولوا {عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} هو يوم القيامة، وصف بالكبر كما وصف بالعظم والثقل. وبين عذاب اليوم الكبير بأن مرجعهم إلى من هو قادر على كل شيء، فكان قادراً على أشدّ ما أراد من عذابهم لا يعجزه. وقرئ: {وإن تولوا} من ولي.


{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}
{يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} يزورّون عن الحق وينحرفون عنه؛ لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره، ومن ازورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه {لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ} يعني: ويريدون ليستخفوا من الله، فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم. ونظير إضمار يريدون- لقود المعنى إلى إضماره- الإضمار في قوله تعالى: {اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق} [الشعراء: 63] معناه فضرب فانفلق. ومعنى {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} ويزيدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضاً، كراهة لاستماع كلام الله تعالى: كقول نوح عليه السلام: {جَعَلُواْ أصابعهم فِي ءاذانهم واستغشوا ثِيَابَهُمْ} [نوح: 7] ثم قال: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} يعني أنه لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم، فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء، والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم، ونفاقهم غير نافق عنده. روي أنها نزلت في الأخنس بن شريق وكان يظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة وله منطق حلو وحسن سياق للحديث، فكان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم مجالسته ومحادثته، وهو يضمر خلاف ما يظهر. وقيل: نزلت في المنافقين. وقرئ: {تثنوني صدورهم}، {واثنونى} من الثني، كاحلولى من الحلاوة، وهو بناء مبالغة، قرئ بالتاء والياء.
وعن ابن عباس لتثنوني. وقرئ تثنونّ وأصله تثنونن (تفعوعل) من الثن وهو ما هش وضعف من الكلأ، يريد: مطاوعة صدورهم للثني، كما ينثني الهش من النبات. أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم. وقرئ: {تثنئن} من اثنأن (افعال) منه، ثم همز كما قيل: ابيأضت، وادهأمت وقرئ: {تثنوي} بوزن ترعوي.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8